المُلح واللطائف
نظرات أصحاب الفنون
لطائف ومُلَح من كتب العقيدة
لطائف ومُلَح من كتب العقيدة:
(1) قال الجديع: "كلامه تعالى يتفاضل، فيكون بعضه أفضل من بعض، فآية الكرسي أفضل من سواها من الآي، وسورة الفاتحة لم ينزل في التوراة ولا في الإنجيل ولا في القرآن مثلها"(1).
(2) قال الشيخ الفوزان: "ودعاء العبادة هو: الثناء على الله سبحانه وتعالى بأسمائه وصفاته.
ودعاء المسألة هو: طلب الحاجات من الله -سبحانه وتعالى-.
ويجتمع النوعان في سورة الفاتحة، فقوله تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } إلى قوله: { إِيَّاكَ نَعْبُدُ}، هذا دعاء عبادة، لأنه ثناء على الله، وقوله: {وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} إلى آخر السورة دعاء مسألة"(2).
(3) قال الشيخ عبد المحسن العباد: "أقسام التوحيد عند أهل السنَّة ثلاثة: توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية، وتوحيد الأسماء والصفات.
وهذا التقسيم لأنواع التوحيد عُرف بالاستقراء من نصوص الكتاب والسنَّة، ويتَّضح ذلك بأوَّل سورة في القرآن وآخر سورة؛ فإنَّ كلًا منهما مشتملةٌ على أنواع التوحيد الثلاثة.
فأمَّا سورة الفاتحة، فإنَّ الآيةَ الأولى منها، وهي {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} مشتملةٌ على هذه الأنواع، فإنَّ {الْحَمْدُ لِلَّهِ} فيها توحيد الألوهية؛ لأنَّ إضافةَ الحمد إليه من العباد عبادةٌ، وفي {رَبِّ الْعَالَمِينَ} إثباتُ توحيد الربوبيَّة، والعالَمون هم كلُّ مَن سوى الله؛ فإنَّه ليس في الوجود إلاَّ خالق ومخلوق، والله الخالق وكلُّ مَن سواه مخلوق، و (الله) و (الربُّ) اسمان لله.
وقوله: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} مشتملٌ على توحيد الأسماء والصفات، و {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} اسمان من أسماء الله يدلاَّن على صفة من صفات الله، وهي الرحمة، وأسماءُ الله كلُّها مشتقَّةٌ، وليس فيها اسمٌ جامد، وكلُّ اسم من الأسماء يدلُّ على صفة من صفاته.
وقوله: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} فيه إثبات توحيد الربوبية.
وقوله: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} فيه إثبات توحيد الألوهية.
وقوله: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} فيه إثبات توحيد الألوهية"(3).
(4) "والعبادة تبنى على ثلاثة أركان:
الأول: كمال الحب للمعبود سبحانه، كما قال تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ} [البقرة: 165] [البقرة: 165].
الثاني: كمال الرجاء، كما قال تعالى: {وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ} [الإسراء: 57]
الثالث: كمال الخوف من الله سبحانه، كما قال تعالى: {وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ} [الإسراء: 57].
وقد جمع الله سبحانه بين هذه الأركان الثلاثة العظيمة في فاتحة الكتاب في قوله سبحانه: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ - الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ - مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة: 2 - 4] فالآية الأولى فيها المحبة؛ فإن الله منعم، والمنعم يُحبُّ على قدر إنعامه، والآية الثانية فيها الرجاء، فالمتصف بالرحمة ترجى رحمته، والآية الثالثة فيها الخوف، فمالك الجزاء والحساب يخاف عذابه.
ولهذا قال تعالى عقب ذلك: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} [الفاتحة: 5] أي: أعبدك يا رب هذه الثلاث: بمحبتك التي دل عليها: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة: 2] ورجائك الذي دل عليه: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة: 3] وخوفك الذي دل عليه: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة: 4]" (4).
(5) لما ولي هشام بن عبد الملك أرسل إلى غيلان الثقفي فقال له: أليس قد كنت عاهدت الله لعمر بن عبد العزيز لا تتكلم في شيء من هذا أبدًا؟
قال: أقلني، فوالله لا أعود.
قال: لا أقالني الله إن أقلتك، هل تقرأ فاتحة الكتاب؟
قال: نعم.
قال: اقرأ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة: 2]
فقرأ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (3) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4) إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: 2 - 5]
قال: قف. على ما استعنته؟ على أمر بيده لا تستطيعه، أو على أمر في يدك أو بيدك؟
اذهبا فاقطعا يديه ورجليه واضربا عنقه واصلباه"(5).
(6) قال الشيخ ابن عثيمين: "قوله: " لا مالك إلا الله ": أي: لا مالك على الحقيقة الملك المطلق إلا الله تعالى. وأيضا لا مَلِك إلا الله عز وجل؛ ولهذا جاءت آية الفاتحة بقراءتين: "ملِكِ يوم الدين" و {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة:4] ; لكي يجمع بين الملك وتمام السلطان; فهو - سبحانه - ملك مالك، ملك ذو سلطة وعظمة وقول نافذ، ومالك متصرف مدبر لجميع مملكته"(6).
(7) قال ابن أبي العز الحنفي: "فالقرآن كله في التوحيد وحقوقه وجزائه، وفي شأن الشرك وأهله وجزائهم. فـ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة: 2] توحيد، {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة: 3] توحيد، {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة: 4] توحيد، {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: 5] توحيد، {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} [الفاتحة: 6] توحيد متضمن لسؤال الهداية إلى طريق أهل التوحيد، {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} [الفاتحة: 7] الذين فارقوا التوحيد"(7).
(8) قال ابن أبي العز الحنفي: "ولهذا كان أنفع الدعاء وأعظمه وأحكمه دعاء الفاتحة: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} [الفاتحة: 6-7] هذا الصراط أعانه على طاعته وترك معصيته، فلم يصبه شر، لا في الدنيا ولا في الآخرة.
لكن الذنوب هي لوازم نفس الإنسان، وهو محتاج إلى الهدى كل لحظة، وهو إلى الهدى أحوج منه إلى الطعام والشراب. ليس كما يقوله بعض المفسرين: إنه قد هداه! فلماذا يسأل الهدى؟ ! وإن المراد التثبيت، أو مزيد الهداية! بل العبد محتاج إلى أن يعلمه الله ما يفعله من تفاصيل أحواله، وإلى ما يتركه من تفاصيل الأمور، في كل يوم، وإلى أن يلهمه أن يعمل ذلك. فإنه لا يكفي مجرد علمه إن لم يجعله مريدا للعمل بما يعلمه، وإلا كان العلم حجة عليه، ولم يكن مهتديا. و العبد محتاج إلى أن يجعله الله قادرا على العمل بتلك الإرادة الصالحة، فإن المجهول لنا من الحق أضعاف المعلوم، وما لا نريد فعله تهاونا وكسلا مثل ما نريده أو أكثر منه أو دونه، وما لا نقدر عليه مما نريده كذلك، وما نعرف جملته ولا نهتدي لتفاصيله فأمر يفوت الحصر، ونحن محتاجون إلى الهداية التامة، فمن كملت له هذه الأمور كان سؤاله سؤال تثبيت، وهي آخر الرتب.
وبعد ذلك كله هداية أخرى، وهي الهداية إلى طريق الجنة في الآخرة. ولهذا كان الناس مأمورين بهذا الدعاء في كل صلاة، لفرط حاجتهم إليه، فليسوا إلى شيء أحوج منهم إلى هذا الدعاء. فيجب أن يعلم أن الله بفضل رحمته جعل هذا الدعاء من أعظم الأسباب المقتضية للخير، المانعة من الشر، فقد بين القرآن أن السيئات من النفس، وإن كانت بقدر الله، وأن الحسنات كلها من الله تعالى"(8).
(9) قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "لفظ الهدى إذا أطلق تناول العلم الذي بعث الله به رسوله والعمل به جميعًا، فيدخل فيه كل ما أمر الله به، كما في قوله: {اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ} [الفاتحة: 6]، والمراد طلب العلم بالحق والعمل به جميعًا، وكذلك قوله: {هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ} [البقرة: 2]، والمراد به أنهم يعلمون ما فيه ويعملون به؛ ولهذا صاروا مفلحين، وكذلك قول أهل الجنة: {الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا} [الأعراف: 43]، وإنما هداهم؛ بأن ألهمهم العلم النافع، والعمل الصالح"(9).
(10) قال شيخ الإسلام: "لفظ الضلال إذا أطلق تناول من ضل عن الهدى، سواء كان عمدًا أو جهلًا، ولزم أن يكون معذبًا كقوله: {إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آبَاءهُمْ ضَالِّينَ فَهُمْ عَلَى آثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ} [الصافات: 69، 70]، وقوله: {رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا} [الأحزاب: 67، 68]، وقوله: {فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى} [طه: 123] ثم قد يقرن بالغي والغضب، كما في قوله: {مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى} [النجم: 2]، وفي قوله: {غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ} [الفاتحة: 7]، وقوله: {إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ} [القمر: 47] (10).
(11) قال الشاطبي: "ثم قال: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ} فالمغضوب عليهم هم اليهود، لأنهم كفروا بعد معرفتهم نبوة محمد صلى الله عليه وسلم.
والضالون هم النصارى، لأنهم ضلوا في الحجة في عيسى عليه السلام وعلى هذا التفسير أكثر المفسرين، وهو مروي عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ويلحق بهم في الضلال المشركون الذين أشركوا مع الله إلها غيره، لأنه قد جاء في أثناء القرآن ما يدل على ذلك، ولأن لفظ القرآن في قوله: { وَلاَ الضَّالِّينَ} يعمهم وغيرهم، فكل من ضل عن سواء السبيل داخل فيه.
ولا يبعد أن يقال: إن الضالين يدخل فيه كل من ضل عن الصراط المستقيم، كان من هذه الأمة أولا، فقوله تعالى: {وَلاَ تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} عام في كل ضال، كان ضلاله كضلال أهل الشرك والنفاق، أو كضلال الفرق المعدودة في الملة الإسلامية، وهو أبلغ وأعلى في قصد حصر أهل الضلال، وهو اللائق بكلية فاتحة الكتاب والسبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيه محمد صلى الله عليه وسلم"(11).
(12) قال الشيخ ابن عثيمين: " الشر المخلوق لا يضاف إلى الله مجردًا عن الخير قط، وإنما يُذكر على أحد وجوه ثلاثة:
الأولى: إما مع إضافته إلى المخلوق، كقوله: {مِن شَرِّ مَا خَلَقَ} [الفلق: 2].
الثانية: وإما مع حذف الفاعل كقول الجن: {وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَن فِي الأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا} [الجن: 10]، ومنه في الفاتحة: {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ} [الفاتحة: 7]: فذكر الإنعام مضافًا إليه، وذكر الغضب محذوفًا فاعله، وذكر الضلال مضافًا إلى العبد، وكذلك قوله: {وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ} [الشعراء: 80].
الثالثة: وإما أن يدخل في العموم كقوله: {خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} [الأنعام: 102] "(12).
لطائف ومُلَح من كتب علوم القرآن
لطائف ومُلَح من كتب علوم القرآن:
(1) قال الزركشي: "إذا اعتبرت افتتاح كل سوره وجدته في غاية المناسبة لما ختم به السورة قبلها، ثم هو يخفى تارة ويظهر أخرى، كافتتاح البقرة بقوله: {الم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ} [البقرة: 1، 2] إشارة إلى الصراط في قوله: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} [الفاتحة: 6] كأنهم لما سألوا الهداية إلى الصراط المستقيم قيل لهم: ذلك الصراط الذي سألتم الهداية إليه هو الكتاب. وهذا معنى حسن يظهر فيه ارتباط سورة البقرة بالفاتحة"(1).(3) قال الزركشي: "قال النووي في شرح المهذب: أجمع المسلمون على أن المعوذتين والفاتحة من القرآن، وأن من جحد منها شيئا كفر، وما نُقل عن ابن مسعود باطل وليس بصحيح.
وقال ابن حزم في أول كتابه المحلى: هذا كذب على ابن مسعود وموضوع، وإنما صح عنه قراءة عاصم عن زر بن حبيش عنه وفيها المعوذتان والفاتحة.
وقال القاضي أبو بكر بن الطيب في كتاب التقريب: لم ينكر عبد الله بن مسعود كون المعوذتين والفاتحة من القرآن، وإنما أنكر إثباتهما في المصحف وإثبات الحمد؛ لأنه كانت السنة عنده ألا يثبت إلا ما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإثباته وكتبه، ولم نجده كتب ذلك ولا سمع أمره به، وهذا تأويل منه وليس جحدا لكونهما قرآنا"(3).(5) قال ابن جماعة: "فما فائدة إعادتها -{الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة: 3]- ثانيا بعد الحمد؟
جوابه:التنبيه على الصفات المقتضية لحمده وشكره وهي: سعة رحمته تعالى لعباده، ولطفه، ورزقه، وأنواع نعمه. فالأول: توكيد الاستعانة، والثاني: توكيد الشكر"(5).(6) قال السيوطي: "قد يكون للسورة اسم واحد وهو كثير وقد يكون لها اسمان فأكثر من ذلك:
الفاتحة: وقد وقفت لها على نيف وعشرين اسما، وذلك يدل على شرفها؛ فإن كثرة الأسماء دالة على شرف المسمى"(6).(8) قال السيوطي: "ومن الابتداء الحسن نوع أخص منه: يسمى براعة الاستهلال، وهو أن يشتمل أول الكلام على ما يناسب الحال المتكلم فيه، ويشير إلى ما سيق الكلام لأجله، والعلم الأسنى في ذلك سورة الفاتحة التي هي مطلع القرآن، فإنها مشتملة على جميع مقاصده، كما قال البيهقي في شعب الإيمان: عن الحسن قال: أنزل الله مائة وأربعة كتب، أودع علومها أربعة منها: التوراة والإنجيل والزبور والفرقان، ثم أودع علوم التوراة والإنجيل والزبور والفرقان القرآن، ثم أودع علوم القرآن المفصل، ثم أودع علوم المفصل فاتحة الكتاب، فمن علم تفسيرها كان كمن علم تفسير جميع الكتب المنزلة.
فنبه في الفاتحة على جميع مقاصد القرآن، وهذا هو الغاية في براعة الاستهلال، مع ما اشتملت عليه من الألفاظ الحسنة والمقاطع المستحسنة وأنواع البلاغة"(8).(11) قال الزرقاني: " الهدايات القرآنية الكريمة منها ما استفيد من معاني القرآن الأصلية، ومنها ما استفيد من معانيه التابعة. أما القسم الأول فواضح لا يحتاج إلى تمثيل، وهو موضع اتفاق بين الجميع. وأما القسم الثاني ففيه دقة، جعلت بعض الباحثين يجادل فيه، وإنا نوضحه لك بأمثلة نستمدها من فاتحة الكتاب العزيز:
منها: استفادة أدب الابتداء بالبسملة في كل أمر ذي بال، أخذا من ابتداء الله كتابه بها، ومن افتتاحه كل سورة من سورة بها عدا سورة التوبة.
ومنها: استفادة أن الاستعانة في أي شيء لا تُستمد إلا من اسم الله وحده، أخذا من إضافة الاسم إلى لفظ الجلالة، موصوفا بالرحمن الرحيم، ومن القصر المفهوم من البسملة على تقدير عامل الجار والمجرور متأخرا، ومن تقدير هذا العامل عاما لا خاصا.
ومنها: استفادة الاستدلال على أن الحمد مستحق لله بأمور ثلاثة: تربيته تعالى للعوالم كلها، ورحمته الواسعة التي ظهرت آثارها وتأصل اتصافه تعالى بها، وتصرفه وحده بالجزاء العادل في يوم الجزاء، وذلك أخذا من جريان هذه الأوصاف على اسم الجلالة في مقام حمد بقوله سبحانه: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ}.
ومنها: استفادة التوحيد بنوعيه توحيد الألوهية وتوحيد الربوبية من القصر الماثل في قوله سبحانه: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}.
ومنها: استفادة دليل هذا التوحيد من الآيات السابقة عليه، ووقوعه هو في سياقها عقيبها كما تقع النتيجة عقب مقدماتها.
ومنها: استفادة أن الهداية إلى الصراط المستقيم هي المطمع الأسمى الذي يجب أن يرمي إليه الناس، ويتنافس فيه المتنافسون، يدل على ذلك اختيارها والاقتصار على طلبها، والدعاء بها، ثم انتهاء سورة الفاتحة بها كما تنتهي البدايات بمقاصدها"(11).لطائف ومُلَح من كتب شروح الحديث
لطائف ومُلَح من كتب شروح الحديث:
فضل سورة الفاتحة:
الحديث الأول: عَنْ أَبِي سَعِيدِ بْنِ الْمُعَلَّى، (أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم مَرَّ بِهِ وَهُوَ يُصَلِّي، فَدَعَاهُ، قَالَ: فَصَلَّيْتُ ثُمَّ أَتَيْتُهُ، قَالَ: فَقَالَ: مَا مَنَعَكَ أَنْ تُجِيبَنِي ؟ قَالَ: كُنْتُ أُصَلِّي، قَالَ: أَلَمْ يَقُلِ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ}، لأُعَلِّمَنَّكَ أَعْظَمَ سُورَةٍ مِنَ الْقُرْآنِ - أَوْ فِي الْقُرْآنِ، شَكَّ خَالِدٌ - قَبْلَ أَنْ أَخْرُجَ مِنَ الْمَسْجِدِ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، قَوْلُكَ: قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ هِيَ السَّبْعُ الْمَثَانِي الَّتِي أُوتِيتُ، وَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ)(1).
(1) علق ابن حجر قائلًا: " واستُدل بالحديث على جواز تفضيل بعض القرآن على بعض، وقد منع ذلك الأشعري وجماعة؛ لأن المفضول ناقص عن درجة الأفضل، وأسماء الله وصفاته وكلامه لانقص فيها. وأجابوا عن ذلك: بأن معنى التفاضل أن ثواب بعضه أعظم من ثواب بعض، فالتفضيل إنما هو من حيث المعاني لا من حيث الصفة"(2).
قوله: "لأُعَلِّمَنَّكَ أَعْظَمَ سُورَةٍ مِنَ الْقُرْآنِ".
(2) علق القاري قائلًا: " سُمِّيت سورة الفاتحة أعظم سورة لاشتمالها على المعاني التي في القرآن من الثناء على الله بما هو أهله، والتعبد بالأمر والنهي، وذكر الوعد لأن فيه ذكر رحمة الله على الوجه الأبلغ الأشمل، وذكر الوعيد لدلالة يوم الدين، أي الجزاء، ولإشارة المغضوب عليهم عليه، وذكر تفرده بالملك، وعبادة عباده إياه، واستعانتهم بولاه، وسؤالهم منه، وذكر السعداء والأشقياء، وغير ذلك مما اشتمل عليه جميع منازل السائرين ومقامات السالكين، ولا سورة بهذه المثابة في القرآن فهي أعظم كيفية، وإن كان في القرآن أعظم منها كمية"(3).
(3) علق ابن عبد البر قائلًا: " لأن فيها الثناء على الله بالحمد الذي هو له حقيقة؛ لأن كل خير منه، وإن حمد غيره، فإليه يعود الحمد، وفيها التعظيم له، وأنه الرب للعالم أجمع، ومالك الدنيا والآخرة، المعبود المستعان، وفيها الدعاء إلى الهدى ومجانبة من ضل، والدعاء باب العبادة، فهي أجمع سورة للخير"(4).
قوله: "السَّبْعُ الْمَثَانِي":
(4) علق ابن حجر قائلًا: " واختُلف في تسميتها مثاني: فقيل: لأنها تُثنّى في كل ركعة، أي تعاد. وقيل: لأنها يُثنى بها على الله تعالى. وقيل: لأنها استُثنيت لهذه الأمة لم تنزل على من قبلها"(5).
(5) علق ابن حجر على الحديث قائلًا: "وفيه أن الأمر يقتضي الفور؛ لأنه عاتب الصحابي على تأخير إجابته"(6).
(6) علق ابن حجر على الحديث قائلًا: "قال الخطابي: فيه أن حكم لفظ العموم أن يجري على جميع مقتضاه، وأن الخاص والعام إذا تقابلا كان العام منزلًا على الخاص؛ لأن الشارع حرم الكلام في الصلاة على العموم، ثم استثنى منه إجابة دعاء النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة"(7).
قوله: "هِيَ السَّبْعُ الْمَثَانِي الَّتِي أُوتِيتُ، وَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ".
(7) علق ابن حجر قائلًا: " قال الخطابي: في قوله: "هِيَ السَّبْعُ الْمَثَانِي الَّتِي أُوتِيتُ، وَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ" دلالة على أن الفاتحة هي القرآن العظيم، وأن "الواو" ليست بالعاطفة التي تفصل بين الشيئين، وإنما هي التي تجيء بمعنى التفصيل، كقوله: {فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ} [الرحمن: 68]، وقوله: {وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ} [البقرة: 98] انتهى. وفيه بحث: لاحتمال أن يكون قوله: "وَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ" محذوف الخبر، والتقدير: ما بعد الفاتحة مثلا، فيكون وصف الفاتحة انتهى بقوله: "هِيَ السَّبْعُ الْمَثَانِي"، ثم عطف قوله: " وَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ" أي ما زاد على الفاتحة، وذكر ذلك رعاية لنظم الآية، ويكون التقدير: والقرآن العظيم هو الذي أوتيته زيادة على الفاتحة"(8).
(8) علق صاحب منار القاري قائلًا: " وسماها بالقرآن العظيم، لاشتمالها على وجازتها وقلة ألفاظها على أهم مقاصد القرآن الكريم من إثبات التوحيد، والنبوة، والمعاد، والعبادة المتضمنة لأركان الإِسلام"(9).
الحديث الثاني: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ صَلَّى صَلَاةً لَمْ يَقْرَأْ فِيهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَهِيَ خِدَاجٌ» ثَلَاثًا غَيْرُ تَمَامٍ. فَقِيلَ لِأَبِي هُرَيْرَةَ: إِنَّا نَكُونُ وَرَاءَ الْإِمَامِ؟ فَقَالَ: «اقْرَأْ بِهَا فِي نَفْسِكَ»؛ فإنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: " قَالَ اللهُ تَعَالَى: قَسَمْتُ الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ، وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ، فَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة: 2]، قَالَ اللهُ تَعَالَى: حَمِدَنِي عَبْدِي، وَإِذَا قَالَ: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة: 1]، قَالَ اللهُ تَعَالَى: أَثْنَى عَلَيَّ عَبْدِي، وَإِذَا قَالَ: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ}، قَالَ: مَجَّدَنِي عَبْدِي - وَقَالَ مَرَّةً فَوَّضَ إِلَيَّ عَبْدِي - فَإِذَا قَالَ: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: 5] قَالَ: هَذَا بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي، وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ، فَإِذَا قَالَ: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} [الفاتحة: 7] قَالَ: هَذَا لِعَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ)(10).
(9) قال القاضي عياض: "ومعنى القسمة هاهنا من جهة المعاني؛ لأن نصفها الأول في حمد الله وتمجيده والثناء عليه وتوحيده، والنصف الثاني في اعتراف العبد بعجزه وحاجته إليه وسؤاله الله في تثبيته لهدايته ومعونته على ذلك"(11).
قوله: " مَجَّدَنِي عَبْدِي":
(10) قال القاضي عياض:" وقوله: " مجدني عبدي " عند قوله: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ}: أي عظَّمني، والمجد نهاية الشرف. والفرق بين " حمدني " و " أثنى علىَّ " و " مجدني " بيِّنٌ؛ لأن " مجَّد " يقتضي الثناء بصفات الجلال، و " حمد " يقتضي الثناء بحميد الفِعال، و " أثنى " يجمع ذلك كله، وينطلق على الوجهين"(12).
(11) قال ابن العربي: " يقول الله: "حَمِدَنِي عَبْدِي وَأَثْنَى وَمَجَّدَ". التمجيد ثناء وتحميد، والثناء حمد وتمجيد، وكل واحد منهما يعبِّر به عن صاحبه، ولكنه خص كل واحد منهما بمعناه الأخص. فخصيصة الحمد التمجيد، فهو أعظم صفات الثناء؛ لأنه يتضمن الثناء بما هو المثني عليه في ذاته، وبما صدر عنه من فعله. والثناء هو ذكر محاسن أفعاله، والتمجيد هو الإخبار عن صفاته التي فيها العلو والعظمة؛ لأن المجد هو نهاية الشرف"(13).
الحديث الثالث: عن ابن عباس قال: بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده جبريل إذ سمع نقيضًا فوقه فرفع جبريل بصره إلى السماء فقال هذا باب قد فتح من السماء ما فتح قط قال فنزل منه ملك فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أبشر بنورين قد أوتيتهما، لم يؤتهما نبي قبلك: فاتحة الكتاب وخواتم سورة البقرة، لن تقرأ حرفًا منها إلا أعطيته)(14).
قوله: "أبشر بنورين":
(12) قال الطيبي: " سماهما نورين، لأن كلا منهما يكون لصاحبه نور يسعى أماه، ولأنه يرشده ويهديه بالتأمل فيه إلي الطريق القويم، والمنهج المستقيم"(15).
قوله: "لن تقرأ حرفًا منها إلا أعطيته":
(13) قال الطيبي: " أي لم يقرأ حرفًا منها مشتملًا علي دعاء وسؤال إلا أعطيه. أما الحمد والثناء والتمجيد فيُعطى ثوابها، وأما الدعاء والسؤال، فيُسعف بمطلوبه، ويستجاب له"(16).
(14) قال الطيبي: "وتحرير معنى الدعاء في الفاتحة، هو أن المطلوب فيها الهداية المشتملة علي النعمة المطلقة، فيتناول نعمة الدارين، ظاهرها وباطنها، جليلها ودقيقها، حتى لا يشذ منها شيء. وعلي التوقي من غضب الله وسخطه مطلقًا، دنيا وعقبى، ومن جميع الأخلاق الذميمة، والضلالات المتنوعة، وما يعرجه عن الطريق المستقيم"(17).
مكية سورة الفاتحة:
(15) علق ابن حجر قائلًا: "يُستنبط من تفسير السبع المثاني بالفاتحة أن الفاتحة مكية، وهو قول الجمهور، خلافًا لمجاهد. ووجه الدلالة: أنه سبحانه امتن على رسوله بها، وسورة الحجر مكية اتفاقا، فيدل على تقديم نزول الفاتحة عليها. قال الحسين بن الفضل: هذه هفوة من مجاهد؛ لأن العلماء على خلاف قوله. وأغرب بعض المتأخرين فنسب القول بذلك لأبي هريرة، والزهري، وعطاء بن يسار. وحكى القرطبي أن بعضهم زعم أنها نزلت مرتين"(18).
عدد آيات سورة الفاتحة:
(16) علق ابن حجر قائلًا: "وفيه –حديث أبي سعيد بن المعلى- دليل على أن الفاتحة سبع آيات، ونقلوا فيه الإجماع، لكن جاء عن حسين بن علي الجعفي أنها ست آيات؛ لأنه لم يعد البسملة. وعن عمرو بن عبيد أنها ثمان آيات؛ لأنه عدها، وعد {أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} [الفاتحة: 7]، وقيل: لم يعدها، وعد {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} [الفاتحة: 5]. وهذا أغرب الأقوال"(19).
{يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة: 4]
عن مجاهد بن جبر أنه قال: الدين: الحساب(20).
(17) علق ابن حجر قائلًا: "وللدين معان أخرى: منها: العادة، والعمل، والحكم، والحال، والخلق، والطاعة، والقهر، والملة، والشريعة، والورع، والسياسة. وشواهد ذلك يطول ذكرها"(21).
{صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} [الفاتحة: 7]
عن عدي بن حاتم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن {الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ}[الفاتحة: 7]: اليَهُود، وإن {الضَّالِّينَ}[الفاتحة: 7]: النَصَارَى(22).
(18) قال القسطلاني معلقًا: " طريقة أهل الإيمان مشتملة على العلم بالحق والعمل، واليهود فقدوا العمل، والنصارى فقدوا العلم، ولذا كان الغضب لليهود والضلال للنصارى؛ لأن من علم وترك استحق الغضب، بخلاف من لم يعلم، والنصارى لما كانوا قاصدين شيئًا لكنهم لم يهتدوا إلى طريقه لأنهم لم يأتوا الأمر من بابه وهو اتباع الرسول الحق ضلوا، وكل من اليهود والنصارى ضال مغضوب عليه، لكن أخص أوصاف اليهود الغضب، وأخص أوصاف النصارى الضلال"(23).
لطائف ومُلَح من كتب اللغة
لطائف ومُلَح من كتب اللغة:
(1) قال أحمد بن فارس: "أما قوله (أبو عبيدة): إن "لا" في {وَلا الضَّالِّينَ} [الفاتحة: 7] زائدة، فقد قيل فيه: إن "لا" إنما دخلت ها هنا مزيلة لتوهم متوهم أن الضالين هم المغضوب عليهم، والعرب تنعت بالواو، يقولون: مررت بالظريف والعاقل فدخلت "لا" مزيلة لهذا التوهم، ومعلمة أن الضالين هم غير المغضوب عليه"(1).
(2) قال أحمد بن فارس: " ويكون اللفظ خبرًا، والمعنى دعاء وطلب مر في الجملة. ونحوه: {إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: 5] معناه: فأعنا على عبادتك. ويقول القائل: "أستغفر الله" والمعنى: اغفر"(2).
(3) قال ابن فارس: "(خدج) الخاء والدال والجيم أصل واحد يدل على النقصان. يقال: خدجت الناقة: إذا ألقت ولدها قبل النتاج. فإن ألقته ناقص الخلق ولتمام الحمل فقد أخدجت. قال ابن الأعرابي: أخدجت الصيفة: قل مطرها. وفي الحديث: «كل صلاة لم يقرأ فيها بفاتحة الكتاب فهي خداج»"(3).
(4) قال الجوهري: "وتسمى فاتحة الكتاب مَثَانِيَ لأنّها تُثَنّى في كلِّ ركعة"(4).
(5) قال نشوان الحميري: "[إِيَّاك] وإِيَّاه: كلمة تخصيص، تُستعمل مقدمة على الفعل، كقوله: {إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: 5] "(5).
(6) قال نشوان الحميري: "المثاني: آيات فاتحة الكتاب؛ لأنها تُثَنّى في كل صلاة، وقيل: لأنها يُثَنّى فيها {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} "(6).
(7) قال ابن الأثير: "«لا تزجو صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب» هو من أزجيت الشيء فزجا، إذا روّجته فراج وتيسر. المعنى: لا تجزئ صلاة وتصح إلا بالفاتحة"(7).
(8) قال ابن الأثير: "في حديث قراءة الفاتحة «قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين» أراد بالصلاة هاهنا القراءة، تسمية للشيء ببعضه. وقد جاءت مفسرة في الحديث. وهذه القسمة في المعنى لا اللفظ؛ لأن نصف الفاتحة ثناء، ونصفها مسألة ودعاء. وانتهاء الثناء عند قوله: {إيَّاكَ نَعْبُدُ} [الفاتحة: 5]، ولذلك قال في: { وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: 5]: هذه الآية بيني وبين عبدي"(8).
(9) قال المناوي: "الصراط: من السبيل ما لا التواء فيه ولا اعوجاج بل على جهة القصد، فهو أخص من السبيل الأخص من الطريق. وفائدة وصفه في الفاتحة بالمستقيم: أن الصراط يطلق على ما فيه صعود أو هبوط، والمستقيم ما لا ميل فيه إلى جهة من الجهات الأربع"(9).
(10) قال المناوي: "اليوم: مدة كون الشمس فوق الأرض عرفا، وهو الوقت المطلق لغة، ليلا كان أو نهارا، طويلا أو قصيرا، وهو المراد بقوله تعالى {مَالِكِ يَوْمِ الدِّين} [الفاتحة: 4] "(10).
لطائف ومُلَح من كتب الفقه
لطائف ومُلَح من كتب الفقه:
(1) قال ابن نجيم: "وذكر الفخر الرازي في تفسير سورة المؤمنون: إن بعض العلماء اختار الإمامة، فقيل له في ذلك، فقال: أخاف إن تركت الفاتحة أن يعاتبني الشافعي، وإن قرأتها مع الإمام أن يعاتبني أبو حنيفة، فاخترت الإمامة طلبا للخلاص من هذا الاختلاف"(1).
قال ابن نجيم: "وحفظ جميع القرآن فرض كفاية، وحفظ فاتحة الكتاب وسورة واجبة على كل مسلم"(2).
(2) قال الشرنبلالي: "وجوب "قراءة الفاتحة" لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب" وهو لنفي الكمال؛ لأنه خبر آحاد، لا ينسخ قوله تعالى: {فَاقْرَأُوا مَا تَيَسَّرَ} فوجب العمل به"(3).
(3) قال أبو بكر الزبيدي: "(قوله: ثم يقرأ فاتحة الكتاب) سميت فاتحة؛ لأنها يُفتتح بها القراءة أي يبدأ. وتسمى الوافية؛ لأنها لا تنتصف في الصلاة. وتسمى السبع المثاني؛ لأنها تثنى في كل ركعة.
ثم قراءتها لا تتعين ركنًا عندنا وكذا ضم السورة إليها، خلافا للشافعي في الفاتحة ولمالك فيهما، لنا قوله تعالى: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} [المزمل: 20] والتعيين ينفي التيسير"(4).
(4) قال أبو حفص الحنفي: " قراءة فاتحة الكتاب لا يتعين ركنًا في الصلاة، بل الركن مطلق القراءة وتعيين الفاتحة واجب في مذهب أبي حنيفة وأصحابه رضي الله عنهم، وعند الشافعي رحمه الله قراءة الفاتحة ركن في الصلاة.
حجة الإمام أبي حنيفة رضي الله عنه من وجوه:
الأول: قوله تعالى: {فَاقْرَأُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} مطلق، فتعيين الفاتحة يكون زيادة على هذا النص، وهو نسخ فلا يثبت بخبر الواحد"(5).
(5) قال الكاساني: "أما الواجبات الأصلية في الصلاة فستة: منها قراءة الفاتحة والسورة في صلاة ذات ركعتين، وفي الأوليين من ذوات الأربع والثلاث، حتى لو تركهما أو أحدهما: فإن كان عامدا كان مسيئا، وإن كان ساهيا يلزمه سجود السهو، وهذا عندنا.
وقال الشافعي: قراءة الفاتحة على التعيين فرض، حتى لو تركها أو حرفا منها في ركعة لا تجوز صلاته وقال مالك: قراءتهما على التعيين فرض.
احتجا بما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "لا صلاة لمن لم يقرأ فاتحة الكتاب".
وروي «لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب وسورة معها»، أو قال: وشيء معها؛ ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - واظب على قراءتهما في كل صلاة فيدل على الفرضية.
(ولنا) قوله تعالى: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} [المزمل: 20]، أمرٌ بمطلق القراءة من غير تعيين، فتعيين الفاتحة فرضا أو تعيينهما نسخ الإطلاق، ونسخ الكتاب بالخبر المتواتر لا يجوز عند الشافعي،
فكيف يجوز بخبر الواحد؟"(6).
(6) قال السرخسي: " (قراءة الفاتحة لا تتعين ركنا في الصلاة عندنا) وقال الشافعي - رحمه الله تعالى -: تتعين حتى لو ترك حرفا منها في ركعة لا تجوز صلاته، واستدل بقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب»، وبمواظبة النبي - صلى الله عليه وسلم - على قراءتها في كل ركعة.
ولنا قوله تعالى: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} [المزمل: 20] فتعيين الفاتحة يكون زيادة على هذا النص، وهو يعدل النسخ عندنا، فلا يثبت بخبر الواحد، ثم المقصود التعظيم باللسان، وذلك لا يختلف بقراءة الفاتحة وغيرها. والحاصل أن الركنية لا تثبت إلا بدليل مقطوع به، وخبر الواحد موجب للعمل دون العلم، فتعين الفاتحة بخبر الواحد واجب، حتى يُكره له ترك قراءتها، وتثبت الركنية بالنص، وهو الآية"(7).
(7) قال العيني: " الواجب الأول: قراءة الفاتحة في الركعتين الأوليين من الفرائض، وقال الشافعي: قراءة الفاتحة فرض لقوله عليه السلام: "لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب". ولنا قوله تعالى: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْ الْقُرْآنِ} [المزمل: 20] والتقييد بالفاتحة نسخ لمطلق النص، والحديث محمول على نفي الكمال، ولكن نقول بالوجوب لمواظبته عليه السلام عليها من غير ترك"(8).
(8) قال المازري: "قال الله تعالى: "قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، فنصفها لي ونصفها لعبدي ولعبدي ما سأل. يقول العبد: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة: 2] ". والمراد بقوله: "قسمت الصلاة "الفاتحة؛ لأنه قد فسّر المقسوم"(9).
(9) قال ابن رشد: "اتفقوا على أنه لا يحمل الإمام عن المأموم شيئا من فرائض الصلاة ما عدا القراءة، فإنهم اختلفوا في ذلك على ثلاثة أقوال:
أحدها: أن المأموم يقرأ مع الإمام فيما أسر فيه ولا يقرأ معه فيما جهر به.
والثاني: أنه لا يقرأ معه أصلا.
والثالث: أنه يقرأ فيما أسر أم الكتاب، وغيرها، وفيما جهر أم الكتاب فقط، وبعضهم فرق في الجهر بين أن يسمع قراءة الإمام أو لا يسمع، فأوجب عليه القراءة إذا لم يسمع، ونهاه عنها إذا سمع.
وبالأول قال مالك، إلا أنه يستحسن له القراءة فيما أسر فيه الإمام.
وبالثاني قال أبو حنيفة، وبالثالث: قال الشافعي، والتفرقة بين أن يسمع أو لا يسمع هو قول أحمد ابن حنبل.
والسبب في اختلافهم: اختلاف الأحاديث في هذا الباب وبناء بعضها على بعض، وذلك أن في ذلك أربعة أحاديث:
أحدها: قوله - عليه الصلاة والسلام - «لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب»، وما ورد من الأحاديث في هذا المعنى مما قد ذكرناه في باب وجوب القراءة.
والثاني: ما روى مالك عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «انصرف من صلاة جهر فيها بالقراءة فقال: هل قرأ معي منكم أحد آنفا، فقال رجل: نعم أنا يا رسول الله، فقال رسول الله: إني أقول ما لي أنازع القرآن " فانتهى الناس عن القراءة فيما جهر فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -».
والثالث: حديث عبادة بن الصامت قال: «صلى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاة الغداة، فثقلت عليه القراءة. فلما انصرف قال: إني لأراكم تقرءون وراء الإمام، قلنا: نعم، قال: فلا تفعلوا إلا بأم القرآن» قال أبو عمر: وحديث عبادة بن الصامت هنا من رواية مكحول، وغيره متصل السند صحيح.
والحديث الرابع: حديث جابر عن النبي - عليه الصلاة والسلام - قال: «من كان له إمام فقراءته له قراءة» وفي هذا أيضا حديث خامس صححه أحمد بن حنبل، وهو ما روي أنه قال - عليه الصلاة والسلام -: «إذا قرأ الإمام فأنصتوا» فاختلف الناس في وجه جمع هذه الأحاديث"(10).
(10) قال ابن رشد: "قال تعالى: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} [الفاتحة: 6] فهذا أمر، والمراد به الرغبة والطلبة؛ لأن أمر أحد لا يتوجه إلا لمن دونه"(11).
(11) قال العدوي: "الصلاة مشتقة من الدعاء التي تشتمل عليه الفاتحة، والذي هو {اهْدِنَا} [الفاتحة: 6] "(12).
(12) قال النووي: "لفاتحة الكتاب عشرة أسماء حكاها الإمام أبو إسحاق الثعلبي وغيره.
(أحدها) فاتحة الكتاب. وجاءت الأحاديث الصحيحة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في تسميتها بذلك.قالوا: سميت به لأنه يُفتتح بها المصحف والتعلم والقراءة في الصلاة، وهي مفتتحة بالحمد الذي يُفتتح به كل أمر ذي بال. وقيل: لأن الحمد فاتحة كل كتاب.
(الثاني) سورة الحمد؛ لأن فيها الحمد.
(الثالث) و (الرابع) أم القرآن وأم الكتاب: لأنها مقدمة في المصحف، كما أن مكة أم القرى؛ حيث دُحيت الدنيا من تحتها. وقيل: لأنها مجمع العلوم والخيرات، كما سُمي الدماغ أم الرأس؛ لأنه مجمع الحواس والمنافع.
قال ابن دريد: الأم في كلام العرب: الراية ينصبها الأمير للعسكر يفزعون إليها في حياتهم وموتهم.
وقال الحسين بن الفضل: سُميت بذلك لأنها إمام لجميع القرآن، يقرأ في كل ركعة، ويُقدّم على كل سورة كأم القرى لأهل الإسلام.
وقيل: سميت بذلك لأنها أعظم سورة في القرآن.
(الخامس) الصلاة: للحديث الصحيح في مسلم: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" قال الله تعالى قسمت الصلاة بيني وبين عبدي " وهو صحيح.
(السادس) السبع المثاني: سُميت بذلك لأنها تُثنّى في الصلاة، فتقرأ في كل ركعة.
(السابع) الوافية - بالفاء -: لأنها لا تنقص، فيقرأ بعضها في ركعة، وبعضها في أخرى، بخلاف غيرها.
(الثامن) الكافية: لأنها تكفي عن غيرها، ولا يكفي عنها غيرها.
(التاسع) الأساس روي عن ابن عباس.
(العاشر) الشفاء فيه حديث مرفوع"(13).
(13) قال النووي: " أجمع المسلمون على أن المعوذتين والفاتحة وسائر السور المكتوبة في المصحف قرآن، وأن من جحد شيئا منه كفر. وما نُقل عن ابن مسعود في الفاتحة والمعوذتين باطل ليس بصحيح عنه. قال ابن حزم في أول كتابه المجاز: "هذا كذب على ابن مسعود موضوع، وإنما صح عنه قراءة عاصم عن زر عن ابن مسعود، وفيها الفاتحة والمعوذتان"(14).
(14) قال الأنصاري: "(ويجب ترتيب الفاتحة)؛ لأنه مناط البلاغة، والإعجاز"(15).
(15) قال الجويني: "لا يجوز ترجمة الفاتحة ولا القرآن؛ لأن النظم إذا كان معجزًا، فلا يتأتى الاحتواءُ على لطف المعاني ودقائقها بالترجمة والتفسير"(16).
(16) قال ابن مفلح: "عن أبي هريرة مرفوعا: «من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج يقوله ثلاثا» رواه مسلم، والخداج: النقصان في الذات نقص فساد وبطلان. تقول العرب: أخدجت الناقة ولدها أي: ألقته، وهو دم لم يتم خلْقه"(17).
(17) قال ابن مفلح: "سميت بالفاتحة، لأنه يُفتتح بقراءتها في الصلاة، وبكتابتها في المصاحف، وتسمى الحمد، والسبع المثاني، وأم الكتاب، والواقية، والشافية، والأساس، والصلاة، وأم القرآن؛ لأن المقصود منه تقرير أمور الإلهيات، والمعاد، والنبوات، وإثبات القضاء والقدر لله تعالى، فـ(الحمد لله) إلى (الرحيم) يدل على الإلهيات، و {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة: 4] يدل على المعاد و {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: 5] يدل على نفي الجبر والقدر، وعلى إثبات أن الكل بقضاء الله تعالى، و {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} [الفاتحة: 6] إلى آخرها يدل على الثواب، وتسمى الشفاء، والشافية، والسؤال، والدعاء"(18).
(18) قال الشيخ ابن عثيمين: "والفاتحةُ هي أمُّ القرآن؛ وذلك لأن جميعَ مقاصدِ القرآن موجودةٌ فيها، فهي مشتملة على التوحيد بأنواعه الثلاثة، وعلى الرسالة، وعلى اليوم الآخر، وعلى طُرق الرُّسل ومخالفيهم، وجميعُ ما يتعلَّق بأصول الشَّرائع موجودٌ في هذه السُّورة، ولهذا تُسمَّى «أمُّ القرآن» وتُسمَّى «السَّبْعُ المثاني» كما صحَّ ذلك عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. وقد خصَّها الله بالذِّكْرِ في قوله: {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ } [الحجر] وعَطْفُ «القرآن العظيم» عليها من باب عَطْفِ العام على الخاص"(19).
(19) قال التويجري: "أعظم ما يسأل العبد ربه إياه الهداية إلى الصراط المستقيم، وأنفع الدعاء طلب العون على مرضاة الله. فهذا أجلّ المطالب، ونيله أشرف المواهب. وحتى يستجاب هذا الدعاء، علّمنا الله كيف نسأله، فأمرنا أن نقدم بين يدي سؤالنا حمد الله، والثناء عليه، وتمجيده، ثم الإقرار بعبوديته وتوحيده، فهذا لا يكاد يرد معه الدعاء كما قال سبحانه: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (3) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4) إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5) اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6)} [الفاتحة:2 - 6].
وأمهات مطالب السائلين من رب العالمين أربع:
1. إما خير موجود: فيُطلب دوامه وثباته، وأن لا يُسْلَبه كالإيمان والأعمال الصالحة.
2. وإما خير موعود: فيُطلب حصوله كالوصول إلى الجنة.
هذا ما يتعلق بالخير، أما الشر فنوعان:
1. شر موجود: فيَطلب من ربه رفعه كالذنوب والسيئات.
2. شر معدوم: فيَطلب بقاءه على العدم، والنجاة منه كالنار والمصائب"(20).
(20) قال الشوكاني: "( قسمت الصلاة ) قال النووي: قال العلماء المراد بالصلاة الفاتحة، سُميت بذلك لأنها لا تصح إلا بها، والمراد قسمتها من جهة المعنى؛ لأن نصفها الأول تحميد لله وتمجيد وثناء عليه وتفويض إليه، والنصف الثاني سؤال وطلب وتضرع وافتقار"(21).
(21) قال الشوكاني: " قوله: ( حمدني وأثنى علي ومجدني ) الحمد: الثناء بجميل الفعال. والتمجيد: الثناء بصفات الجلال. والثناء مشتمل على الأمرين؛ ولهذا جاء جوابا (للرحمن الرحيم) لاشتمال اللفظين على الصفات الذاتية والفعلية"(21).
(22) قال الشوكاني: " قوله: ( فوّض إلي عبدي ) وجه مطابقة هذا لقوله: { مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة:4] أن الله تعالى هو المنفرد بالملك ذلك اليوم وبجزاء العباد وحسابهم. والدين الحساب، وقيل: الجزاء. ولا دعوى لأحد ذلك اليوم حقيقة ولا مجازا، وأما في الدنيا فلبعض العباد ملك مجازي، ويدعي بعضهم دعوى باطلة، وكل هذا ينقطع في ذلك اليوم"(23).
لطائف ومُلَح من كتب أصول الفقه
لطائف ومُلَح من كتب أصول الفقه:
(1) قال ابن عقيل: " النفي إذا علِّقَ في الشيء على صفة، كقولِه عليه الصلاةُ و السلامُ: "لا صلاةَ إلا بفاتحةِ الكتابِ"، "لا نكاحَ إلا بولي"، "إنما الأعمالُ بالنياتِ، ولكلِّ امرىء ما نوى"، وأمثالِ ذلكَ من الألفاظِ المستعملَةِ في نفي أو إِثْباتٍ، أو رفع و إسقاط، حُمِلَ ذلكَ على نفي الاعتدادِ بالشيءِ بالكليةِ، وعدمِ الإجزاءِ به شرعًا"(1).
(2) قال التاج السبكي: "البسملة لما ثبتت أولًا في سورة الفاتحة فهي من السور إعادة لها وتكرار، فلا تكون من تلك السورة ضرورة، فلا يقال: هي آية من أول كل سورة، بل هي آية في أول كل سورة"(2).
قال الجديع: "من علامات الواجب: ما رُتِّب على تركه عدمُ الاعتدادِ بالعملِ، كقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((لا صلاةَ لمن لم يقرأْ بفاتحةِ الكتابِ)) "(3).
(3) قال الجديع: " مذهبَ مالكٍ الَّذي يُبيِّنُه المحقِّقُونَ من أصحابِهِ كأبي الوليدِ الباجيِّ وغيرهِ رحمهم الله أنَّه يرى الاحتِجاجَ بعملِ أهلِ المدينةِ فيما كان الأصلُ فيه النَّقلَ لا الاجتهادَ، مثلُ: ألفاظِ الأذانِ، وتركِ الجهرِ بالبسملَةِ عند قراءةِ الفاتحةِ في الصَّلاةِ، فهذا وشِبْهُه ليسَ لأهلِ المدينةِ فيه اجتهادٌ، وإنَّما الأصلُ فيه التَّلقِّي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فحينَ يتداولهُ أهلُ المدينة جيلًا عن جيلٍ إلى عهدِ مالكٍ، ولم يكُنْ عهدُهُ بعيدًا عنهم فإنَّهُ من أتباعِ التَّابعينَ، ولم تَنْدَثر السُّننُ بعدُ في مثلهِ ولم يقعْ فيها التَّغييرُ، فهذا بمنزلة نقلهِم الحديثَ نقلَ الجمعِ الَّذي تُحيلُ العادَةُ تواطؤهم على الكذبِ، فكانَ ذلكَ العملُ كالحديثِ المتواتر ِالَّذي لا يجوزُ أن يُعارضَ بسُنَّةِ لآحادٍ"(4).
(4) قال الجديع: " قوله تعالى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآَنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الأعراف: 204]، فإنَّ الأمرَ على أصلِ دلالتِه للوُجوبِ، فلذلكَ سقط به وجوبُ قراءةِ الفاتحةِ وراءَ الإمامِ عندَ جُمهورِ العلماءِ"(5).
(5) "هذا الفعل إن ثبت بدليل قطعي كالقرآن فهو الفرض كقراءة القرآن في الصلاة الثابتة؛ لقوله تعالى {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} [المزمل: 20]، وبدليل ظني كخبر الواحد فهو الواجب، كقراءة الفاتحة في الصلاة الثابتة بحديث الصحيحين «لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب» فيأثم بتركها ولا تفسد به الصلاة، بخلاف ترك القراءة"(6).
(6) قال الفتوحي: ""ولا تكفير باختلاف فيها" أي ولا يكفر من قال إنها –البسملة- ليست من القرآن، ولا يكفر من قال إنها ليست من الفاتحة، ولا من خالف في ذلك. ولأنها ليست من القرآن القطعي، بل من الحكمي، وهو الأصح للشافعية، بناء على أنها هل هي قرآن على سبيل القطع، كسائر القرآن، أو على سبيل الحكم، لاختلاف العلماء فيها"(7).
(7) قال الأمين الشنقيطي: "المصلي يقوم في اليوم والليلة خمس مرات يناجي خالق السماوات والأرض، ومناجاته جل وعلا تستلزم أقوالا وأفعالا لائقة بذلك المقام. ولذلك علّمه الله جل وعلا في أعظم سورة من كتابه وهي (الفاتحة) التي هي السبع المثاني والقرآن العظيم، علّمه فيها كيف يناجي خالق السماوات والأرض بما هو لائق به، وعلّمه كيف يسأل ربه حاجته، فأوجب عليه أن يبتدئ قراءته بقوله: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} فحمد ربه وأثنى عليه بجميل صفاته ومجّده ووحّده في ربوبيته بقوله: {رَبِّ الْعَالَمِينَ}، وفي أسمائه وصفاته بقوله: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ}، ثم علّمه توحيده في عبادته بقوله: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} لأن معناه لا نعبد إلا إياك وحدك؛ لأن تقديم المعمول يدل على الحصر كما هو مقرر في الأصول والمعاني.
وعلمه الاستعانة بربه وإظهار الضعف والعجز بين يديه بقوله: {وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}.
ولما أثنى على ربه بما علمه أحسن ثناء وخضع له به أكمل خضوع وافرده بالعبادة والقصد وأخلص له في ذلك أكمل إخلاص، علّمه كيف يسأله جل وعلا حاجته بقوله: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} وهذا الدعاء القرآني شامل لخير الدنيا والآخرة.
فيكفي المصلي شرفا وعلوا ونبلا لما يرجو من خير الدنيا والآخرة أن الله جل وعلا قسم هذا الركن الأعظم من أركان الإسلام بينه جل وعلا وبين المصلى. فما أعظم شأنها من قسمة، وقد وعده أن له ما سأل، وهو جل وعلا لا يخلف وعده"(8).
(8) قال ابن الدهان: "الفاتحة أشرف السور، والصلاة أشرف الأحوال، فتعيّن الأشرف للأشرف"(9).
(9) قال أبو الحسين البصري: " حرف النفي إذا دخل على الفعل متى لم يكن الفعل على صفة من الصفات، وذلك ضربان: أحدهما: يمكن انتفاء الفعل متى لم تحصل تلك الصفة.
والآخر: لا يمكن انتفاء ذلك الفعل.
فمثال الأول: قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب" فحرف النفي دخل على الصلاة الشرعية؛ لأن كلام النبي صلى الله عليه وسلم يُحمل على معانيه الشرعية، فظاهره إذًا يقتضي نفي الصلاة الشرعية مع انتفاء الفاتحة، وذلك ممكن، فوجب حمل الكلام عليه، وذلك يقتضي كون قراءة الفاتحة شرطًا، ويقتضي أن يكون قولنا صلاة فاسدة مجازا، أعني وصفنا لها بأنها صلاة، ويكون المراد أنها على صورة الصلاة"(10).
(10) قال الزنجاني: "غير الفاتحة لا يقوم مقامها في الصلاة عندنا؛ لاحتمال التعبد بالإعجاز اللفظي والمعنوي"(11).
(11) قال التفتازاني: "الحمد يكون على النعمة وغيرها، فالله تعالى يستحق الحمد أولًا بكمال ذاته وعظمة صفاته، وثانيًا بجميل نعمائه وجزيل آلائه"(12).
(12) قال علاء الدين البخاري: "نظير التعارض بين الظاهر والنص من السنة قوله - عليه السلام - «لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب»، مع قوله - عليه السلام - «من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة». فالأول ظاهر في نفي الجواز عام في كل صلاة؛ لأن "لا" هذه لنفي الجنس، فيتناول صلاة المقتدي والمنفرد، والثاني نص؛ لأنه أشد وضوحا في إفادة معناه من الأول؛ لأن استعمال "لا" لنفي الفضيلة واستعمال العام في بعض مفهوماته شائع ذائع فيتعارضان في حق المقتدي فيعمل بالنص، ويُحمل الأول على المنفرد أو على نفي الفضيلة"(13).
(13) قال الجصاص: "منعنا أن يعترض بقوله - عليه السلام -: «لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب» على قوله تعالى: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْ الْقُرْآنِ} [المزمل: 20]؛ لأن الآية اقتضت التخيير في المفروض من القراءة، وإذا حُمل معنى التخيير على تعيين فرض القراءة بفاتحة الكتاب، أوجب إسقاط التخيير الذي في الآية، فيكون ناسخًا له، ولا يجوز نسخ القرآن بخبر الواحد"(14).
(13) قال السبكي: "(والفرض والواجب مترادفان) أي اسمان لمعنى واحد، وهو -كما عُلم من حد الإيجاب- الفعل المطلوب طلبا جازما (خلافا لأبي حنيفة) في نفيه ترادفهما حيث قال: هذا الفعل إن ثبت بدليل قطعي كالقرآن فهو الفرض، كقراءة القرآن في الصلاة الثابتة لقوله تعالى: {فاقرءوا ما تيسر من القرآن}، وبدليل ظني كخبر الواحد فهو الواجب، كقراءة الفاتحة في الصلاة الثابتة بحديث الصحيحين "لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب" فيأثم بتركها ولا تفسد به الصلاة، بخلاف ترك القراءة"(15).
لطائف ومُلَح من كتب التاريخ
لطائف ومُلَح من كتب التاريخ:
(1) ذكر ابن السمعاني: سمعتُ أبا حفص عمر بن المبارك بن سهلان، سمعت الحسين بن خسرو البلخي، قال: رُئي الشيخ أبو منصور الخياط في النوم، فقيل له: ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي بتعليمي الصبيان فاتحة الكتاب(1).
(2) قال الحاكم: سمعت عبد الصمد بن محمد بن عبد الله بن حيويه البخاري يقول: سمعت أبا بكر بن حرب الفقيه - شيخ أهل الرأي ببلدنا - يقول: كثيرا ما أرى أصحابنا في مدينتنا هذه من الفقهاء يظلمون المحدثين.
كنت عند حاتم العتكي، فدخل عليه شيخ من أصحابنا من أهل الرأي، فقال: أنت الذي تروي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بقراءة الفاتحة خلف الإمام؟
فقال: قد صح قوله - عليه الصلاة والسلام -، يعني:(لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب).
قال: كذبت، إن الفاتحة لم تكن في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما نزلت في عهد عمر(2).
(3) قال الذهبي: " ابن الفحام كان يحفظ القراءات كالفاتحة"(3).
(4) قال محمد بن عوف الحمصي: رأيت أحمد بن أبي الحواري صلى العتمة ثم قام يصلي، فاستفتح بـ الْحَمْدُ إلى {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: 5] فطفت الحائط كله ثم رجعت، فإذا هو لا يجاوز {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}، ثم نمت ومررت به سحرا، وهو يقرأ: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}، فلم يزل يردّدها إلى الصبح"(4).
(5) أبو سعد بن الإسماعيلي، شيخ الشافعية وابن شيخهم، إسماعيل بن أحمد بن إبراهيم الفقيه، وقد روى عن الأصم ونحوه، وكان صاحب فنون وتصانيف، توفي ليلة الجمعة وهو يقرأ في صلاة المغرب: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: 5] ففاضت نفسه"(5).
(6) قال ابن شافع: "سار ذكر سبط الخيّاط في الأغوار والأنجاد، ورأس أصحاب الإمام أحمد، وصار واحد وقته ونسيج وحده، لم أسمع في جميع عمري من يقرأ الفاتحة أحسن ولا أفصح منه"(6).
(7) كان الملك الظاهر معظّما للسادة الأشراف، وكان يقوم لمن دخل عليه من الفقهاء والفقراء كائنا من كان، وإذا قرأ عنده أحد فاتحة الكتاب، نزل عن مدوّرته، وجلس على الأرض إجلالا لكلام الله تعالى"(7).
(8) في سنة 790هـ في ربيع الأول، رتّب نجم الدين الطنبذي المحتسب من فقراء الفقهاء، من يعلّم أصحاب الدكاكين من العامة، الفاتحة وفرائض الصلاة(8).
(9) عبد الكريم بن إبراهيم بن أحمد، الحنبلي: ولّاه الناصر فرج الحسبة على الصلاة، فكان يُلزم الناس بالصلاة وتعليم الفاتحة(9).
(10) قال أبو عبد الله محمد بن إبراهيم ابن أحمد الآبلى التلمساني: قدم على مدينة فاس، شيخنا أبو عبد الله محمد بن يحيى الباهلي، رسولا من صاحب بجاية، وزاره الطلبة، فكان مما حدثهم أنهم كانوا على زمان ناصر الدين، يستشكلون كلامًا وقع في تفسير سورة الفاتحة من كتب فخر الدين، واستشكله الشيخ معهم. وهذا نصه: ثبت في بعض العلوم العقلية، أن المركب مثل البسيط في الجنس، والبسيط مثل المركب في الفصل، وأن الجنس أقوى من الفصل. فأخبروا بذلك الشيخ الآبلي لما رجعوا إليه، فتأمله ثم قال، هذا كلام مصحف، وأصله أن المركب قبل البسيط في الحس، و البسيط قبل المركب في العقل، وإن الحس أقوى من العقل، فأخبروا ابن المسفر، فلج: فقال لهم الشيخ، التمسوا النسخ، فوجدوا في لفظ بعضها كما قال الشيخ(10).
لطائف ومُلَح من كتب الرقائق
لطائف ومُلَح من كتب الرقائق:
(1) قال ابن تيمية: "أنفع الدعاء وأعظمه وأحكمه دعاء الفاتحة: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} [الفاتحة: 6] فإنه إذا هداه هذا الصراط أعانه على طاعته وترك معصيته، فلم يصبه شر لا في الدنيا ولا في الآخرة"(1).
(2) قال ابن تيمية: "{إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} هاتان الكلمتان هما الجامعتان اللتان للرب والعبد، كما في الحديث الذي في صحيح مسلم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "يقول الله سبحانه: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، نصفها لي ونصفها لعبدي، ولعبدي ما سأل، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول العبد: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} يقول الله: حمدني عبدي. يقول العبد: { الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ } يقول الله: أثنى علي عبدي. يقول العبد: { مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ } يقول الله: مجدني عبدي. يقول العبد: {إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} يقول الله: فهذه الآية بيني وبين عبدي نصفين، ولعبدي ما سأل. يقول العبد: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} يقول الله: فهؤلاء لعبدي ولعبدي ما سأل". فالرب سبحانه له نصف الثناء والخير، والعبد له نصف الدعاء والطلب. وهاتان جامعتان ما للرب سبحانه، وما للعبد، فـ{إيَّاكَ نَعْبُدُ } للرب، { وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} للعبد"(2).
(3) قال ابن تيمية: " الحمد لله أحق ما قاله العباد؛ ولهذا أوجب قوله في كل صلاة، وأن تُفتتح به الفاتحة، وأوجب قوله في كل خطبة، وفى كل أمر ذي بال"(3).
(4) قال ابن تيمية:" فاتحة الكتاب نصفان: نصف لله، ونصف للعبد. ونصف الرب أوله حمد وآخره توحيد: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ}، ونصف العبد هو دعاء وأوله توحيد: {وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}"(4).
(5) قال ابن القيم: "ولو أحسن العبد التداوي بالفاتحة لرأى لها تأثيرًا عجيبًا في الشفاء.
ومكثتُ بمكة مدّةً تعتريني أدواء، ولا أجد طبيبًا ولا دواء، فكنتُ أعالج نفسي بالفاتحة، فأرى لها تأثيرًا عجيبًا. فكنت أصف ذلك لمن يشتكي ألمًا، وكان كثير منهم يبرأ سريعًا.
ولكن ها هنا أمر ينبغي التفطّن له، وهو أن الأذكار والآيات والأدعية التي يُستشفى بها ويُرقى بها، هي في نفسها نافعة شافية، ولكن تستدعي قبول المحلّ، وقوة همة الفاعل وتأثيره. فمتى تخلّف الشفاء كان لضعف تأثير الفاعل، أو لعدم قبول المنفعل، أو لمانع قوي فيه يمنع أن ينجع فيه الدواء"(5).
(6) قال ابن القيم: "ما تضمنته الفاتحة من إخلاص العبودية والثناء على الله، وتقويض الأمر كله إليه، والاستعانة به، والتوكل عليه، وسؤاله مجامع النعم كلها، وهي الهداية التي تجلب النعم، وتدفع النقم، من أعظم الأدوية الشافية الكافية"(6).
(7) قال ابن القيم: "فاتحة الكتاب: وأم القرآن، والسبع المثاني، والشفاء التام، والدواء النافع، والرقية التامة، ومفتاح الغنى والفلاح، وحافظة القوة، ودافعة الهم والغم والخوف والحزن لمن عرف مقدارها وأعطاها حقها، وأحسن تنزيلها على دائه، وعرف وجه الاستشفاء والتداوي بها، والسر الذي لأجله كانت كذلك.
ولما وقع بعض الصحابة على ذلك، رقى بها اللديغ، فبرأ لوقته، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «وما أدراك أنها رقية».
ومن ساعده التوفيق، وأعين بنور البصيرة حتى وقف على أسرار هذه السورة، وما اشتملت عليه من التوحيد، ومعرفة، الذات والأسماء والصفات والأفعال، وإثبات الشرع والقدر والمعاد، وتجريد توحيد الربوبية والإلهية، وكمال التوكيل والتفويض إلى من له الأمر كله، وله الحمد كله، وبيده الخير كله، وإليه يرجع الأمر كله، والافتقار إليه في طلب الهداية التي هي أصل سعادة الدارين، وعلم ارتباط معانيها بجلب مصالحهما، ودفع مفاسدهما، وأن العاقبة المطلقة التامة، والنعمة الكاملة منوطة بها، موقوفة على التحقق بها، أغنته عن كثير من الأدوية والرقى. واستفتح بها من الخير أبوابه، ودفع بها من الشر أسبابه"(7).
قال ابن القيم: "{اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} [الفاتحة7 , 6] فمن لم يعرف الحق كان ضالا، ومن عرفه ولم يتبعه كان مغضوبا عليه، ومن عرفه واتبعه فقد هدي إلى الصراط المستقيم.
وأول الشر الضلال ومنتهاه الغضب، كما أن أول الخير الهدى ومنتهاه الرحمة والرضوان، فذكر سبحانه في آيات الحج ما يعرض في العلم من الضلال والإضلال، وما يعرض في الإرادة والعمل من اتباع الأهواء، كما جمع بينهما في قوله: {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى} [النجم23] فقال أولا: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ} [الحج3] "(8).
(8) قال ابن القيم: "اعلم أن هذه السورة –الفاتحة- اشتملت على أمهات المطالب العالية أتم اشتمال، وتضمنتها أكمل تضمن.
فاشتملت على التعريف بالمعبود تبارك وتعالى بثلاثة أسماء، مرجع الأسماء الحسنى والصفات العليا إليها، ومدارها عليها، وهي: الله، والرب، والرحمن، وبُنيت السورة على الإلهية، والربوبية، والرحمة، فـ{إِيَّاكَ نَعْبُدُ} [الفاتحة: 5] مبني على الإلهية، { وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: 5] على الربوبية، وطلب الهداية إلى الصراط المستقيم بصفة الرحمة، والحمد يتضمن الأمور الثلاثة، فهو المحمود في إلهيته، وربوبيته، ورحمته، والثناء والمجد كمالان لجده.
وتضمنت إثبات المعاد، وجزاء العباد بأعمالهم، حسنها وسيئها، وتفرد الرب تعالى بالحكم إذ ذاك بين الخلائق، وكون حكمه بالعدل، وكل هذا تحت قوله: { مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ } [الفاتحة: 4]
وتضمنت إثبات النبوات من جهات عديدة:
أحدها: كونه رب العالمين، فلا يليق به أن يترك عباده سدى هملا لا يعرفهم ما ينفعهم في معاشهم ومعادهم وما يضرهم فيهما، فهذا هضم للربوبية، ونسبة الرب تعالى إلى ما لا يليق به، وما قدره حق قدره من نسبه إليه.
الثاني: أخذها من اسم الله، وهو المألوه المعبود، ولا سبيل للعباد إلى معرفة عبادته إلا من طريق رسله.
الموضع الثالث: من اسمه الرحمن فإن رحمته تمنع إهمال عباده، وعدم تعريفهم ما ينالون به غاية كمالهم، فمن أعطى اسم الرحمن حقه عرف أنه متضمن لإرسال الرسل، وإنزال الكتب، أعظم من تضمنه إنزال الغيث، وإنبات الكلأ، وإخراج الحب، فاقتضاء الرحمة لما تحصل به حياة القلوب والأرواح أعظم من اقتضائها لما تحصل به حياة الأبدان والأشباح، لكن المحجوبون إنما أدركوا من هذا الاسم حظ البهائم والدواب، وأدرك منه أولو الألباب أمرا وراء ذلك.
الموضع الرابع: من ذكر يوم الدين فإنه اليوم الذي يدين الله العباد فيه بأعمالهم، فيثيبهم على الخيرات، ويعاقبهم على المعاصي والسيئات، وما كان الله ليعذب أحدا قبل إقامة الحجة عليه، والحجة إنما قامت برسله وكتبه، وبهم استحق الثواب والعقاب، وبهم قام سوق يوم الدين، وسيق الأبرار إلى النعيم، والفجار إلى الجحيم.
الموضع الخامس: من قوله: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} [الفاتحة: 5] فإن ما يعبد به الرب تعالى لا يكون إلا على ما يحبه ويرضاه، وعبادته وهي شكره وحبه وخشيته فطري ومعقول للعقول السليمة، لكن طريق التعبد وما يعبد به لا سبيل إلى معرفته إلا برسله وبيانهم، وفي هذا بيان أن إرسال الرسل أمر مستقر في العقول، يستحيل تعطيل العالم عنه، كما يستحيل تعطيله عن الصانع، فمن أنكر الرسول فقد أنكر المرسل ولم يؤمن به، ولهذا جعل الله سبحانه الكفر برسله كفرا به.
الموضع السادس: من قوله: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ } [الفاتحة: 6] فالهداية: هي البيان والدلالة، ثم التوفيق والإلهام، وهو بعد البيان والدلالة، ولا سبيل إلى البيان والدلالة إلا من جهة الرسل، فإذا حصل البيان والدلالة والتعريف ترتب عليه هداية التوفيق، وجعل الإيمان في القلب، وتحبيبه إليه، وتزيينه في القلب، وجعله مؤثرا له، راضيا به، راغبا فيه.
وهما هدايتان مستقلتان، لا يحصل الفلاح إلا بهما، وهما متضمنتان تعريف ما لم نعلمه من الحق تفصيلا وإجمالا، وإلهامنا له، وجعلنا مريدين لاتباعه ظاهرا وباطنا، ثم خلق القدرة لنا على القيام بموجب الهدى بالقول والعمل والعزم، ثم إدامة ذلك لنا وتثبيتنا عليه إلى الوفاة.
ومن هنا يُعلم اضطرار العبد إلى سؤال هذه الدعوة فوق كل ضرورة، وبطلان قول من يقول: إذا كنا مهتدين، فكيف نسأل الهداية؟ فإن المجهول لنا من الحق أضعاف المعلوم، وما لا نريد فعله تهاونا وكسلا مثل ما نريده أو أكثر منه أو دونه، وما لا نقدر عليه مما نريده كذلك، وما نعرف جملته ولا نهتدي لتفاصيله فأمر يفوت الحصر، ونحن محتاجون إلى الهداية التامة، فمن كملت له هذه الأمور كان سؤال الهداية له سؤال التثبيت والوئام.
الموضع السابع: من معرفة نفس المسئول، وهو الصراط المستقيم، ولا تكون الطريق صراطا حتى تتضمن خمسة أمور: الاستقامة، والإيصال إلى المقصود، والقرب، وسعته للمارين عليه، وتعينه طريقا للمقصود، ولا يخفى تضمن الصراط المستقيم لهذه الأمور الخمسة.
فوصفه بالاستقامة يتضمن قربه، لأن الخط المستقيم هو أقرب خط فاصل بين نقطتين، وكلما تعوج طال وبعد، واستقامته تتضمن إيصاله إلى المقصود، ونصبه لجميع من يمر عليه يستلزم سعته، وإضافته إلى المنعم عليهم ووصفه بمخالفة صراط أهل الغضب والضلال يستلزم تعينه طريقا.
الموضع الثامن: من ذكر المنعم عليهم، وتمييزهم عن طائفتي الغضب والضلال"(9).
(9) قال ابن القيم: "جمعت الفاتحة الوسيلتين، وهما التوسل بالحمد، والثناء عليه وتمجيده، والتوسل إليه بعبوديته وتوحيده، ثم جاء سؤال أهم المطالب، وأنجح الرغائب وهو الهداية بعد الوسيلتين، فالداعي به حقيق بالإجابة"(10).
(10) قال ابن القيم: "واقتران ربوبيته برحمته كاقتران استوائه على عرشه برحمته، فـ{الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5] مطابق لقوله: {رَبِّ الْعَالَمِينَ • الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة: 2 - 3] فإن شمول الربوبية وسعتها بحيث لا يخرج شيء عنها أقصى شمول الرحمة وسعتها، فوسع كل شيء برحمته وربوبيته، مع أن في كونه ربا للعالمين ما يدل على علوه على خلقه، وكونه فوق كل شيء"(11).
(11) قال ابن القيم: "اشتملت الفاتحة على شفاء القلوب أتم اشتمال، فإن مدار اعتلال القلوب وأسقامها على أصلين: فساد العلم، وفساد القصد.
ويترتب عليهما داءان قاتلان، وهما الضلال والغضب، فالضلال نتيجة فساد العلم، والغضب نتيجة فساد القصد، وهذان المرضان هما ملاك أمراض القلوب جميعها، فهداية الصراط المستقيم تتضمن الشفاء من مرض الضلال، ولذلك كان سؤال هذه الهداية أفرض دعاء على كل عبد، وأوجبه عليه كل يوم وليلة في كل صلاة، لشدة ضرورته وفاقته إلى الهداية المطلوبة، ولا يقوم غير هذا السؤال مقامه"(12).
(12) قال ابن القيم: "وكثيرا ما كنت أسمع شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه يقول: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} [الفاتحة: 5] تدفع الرياء، {وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: 5] تدفع الكبرياء.
فإذا عوفي من مرض الرياء بـ{إِيَّاكَ نَعْبُدُ}، ومن مرض الكبرياء والعجب بـ{وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}، ومن مرض الضلال والجهل بـ{اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} [الفاتحة: 6] عوفي من أمراضه وأسقامه، ورفل في أثواب العافية، وتمت عليه النعمة، وكان من المنعم عليهم غير المغضوب عليهم وهم أهل فساد القصد، الذين عرفوا الحق وعدلوا عنه والضالين وهم أهل فساد العلم، الذين جهلوا الحق ولم يعرفوه"(13).
(13) قال ابن القيم: "وتقديم " العبادة " على " الاستعانة " في الفاتحة من باب تقديم الغايات على الوسائل، إذ " العبادة " غاية العباد التي خلقوا لها، و " الاستعانة " وسيلة إليها، ولأن {إِيَّاكَ نَعْبُدُ}، [الفاتحة: 5] متعلق بألوهيته واسمه " الله "، {وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: 5] " متعلق بربوبيته واسمه " الرب " فقدّم {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} [الفاتحة: 5] " على {وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} كما قدّم اسم " الله " على " الرب " في أول السورة، ولأن {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} قسم " الرب "، فكان من الشطر الأول، الذي هو ثناء على الله تعالى، لكونه أولى به، {وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} قسم العبد، فكان من الشطر الذي له، وهو {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ } [الفاتحة: 6] " إلى آخر السورة.
ولأن " العبادة " المطلقة تتضمن " الاستعانة " من غير عكس، فكل عابد لله عبودية تامة مستعين به ولا ينعكس، لأن صاحب الأغراض والشهوات قد يستعين به على شهواته، فكانت العبادة أكمل وأتم، ولهذا كانت قسم الرب.
ولأن " الاستعانة " جزء من " العبادة " من غير عكس، ولأن " الاستعانة " طلب منه، و " العبادة " طلب له.
ولأن " العبادة " لا تكون إلا من مخلص، و " الاستعانة " تكون من مخلص ومن غير مخلص.
ولأن " العبادة " حقه الذي أوجبه عليك، و " الاستعانة " طلب العون على " العبادة "، وهو بيان صدقته التي تصدق بها عليك، وأداء حقه أهم من التعرض لصدقته.
ولأن " العبادة " شكر نعمته عليك، والله يحب أن يشكر، والإعانة فعله بك وتوفيقه لك، فإذا التزمت عبوديته، ودخلت تحت رقها أعانك عليها، فكان التزامها والدخول تحت رقها سببا لنيل الإعانة، وكلما كان العبد أتم عبودية كانت الإعانة من الله له أعظم"(14).
(14) قال ابن القيم: "فأول الفاتحة رحمة، وأوسطها هداية، وآخرها نعمة، وحظ العبد من النعمة على قدر حظه من الهداية، وحظه منها على قدر حظه من الرحمة، فعاد الأمر كله إلى نعمته ورحمته.
والنعمة والرحمة من لوازم ربوبيته فلا يكون إلا رحيما منعما، وذلك من موجبات إلهيته، فهو الإله الحق وإن جحده الجاحدون وعدل به المشركون.
فمن تحقق بمعاني الفاتحة علما ومعرفة وعملا وحالا فقد فاز من كماله بأوفر نصيب، وصارت عبوديته عبودية الخاصة، الذين ارتفعت درجتهم عن عوام المتعبدين"(15).
روابط لقصص مرئية للمهتدين بالقرآن الكريم
روابط لقصص مرئية للمهتدين بالقرآن الكريم:
(1) رجل أسلم وبكى بكاء شديد وهو يقرأ سورة الفاتحة
https://www.youtube.com/watch?v=8ecDqb2ySy8
(2) الداعية يوسف استس وقصة هدايته بآية واحدة وهي (اهدنا الصراط المستقيم)
https://www.youtube.com/watch?v=Euy1-3MrPrw
(3) سر واحد من أسرار وفوائد تكرار سورة الفاتحة – إبراهيم الدويش
https://www.youtube.com/watch?v=gbE5_wJtfTA
(4) قراءة سورة الفاتحة سبع مرات من الرقية ومجربة- الشيخ الحويني
https://www.youtube.com/watch?v=OHgo9bFGkf8
(5) الداعية الشهير يوسف استس يروي أغرب قصة رجل يهودي أسلم على يديه والفضل يعود لكلمة (باسم الله) حتى إنه لم يكمل قراءة سورة الفاتحة.
https://www.youtube.com/watch?v=lUFEAgWbBtE
(6) الباحثون عن الحقيقة – ش/ أحمد القطان. قصة الرجل الوثني الذي أسلم بسبب آية (الحمد لله رب العالمين)
https://www.youtube.com/watch?v=DqZTfuMyPcg
(7) رجل يسلم بسبب كلمة {الحق}:
https://www.youtube.com/watch?v=QdA8R9NoPWE
(8) أسلم بفضل القرآن:
https://www.youtube.com/watch?v=fzGW_yithCk(9) القرآن سبب هدايتي:
قصص مقروءة عن المهتدين بالقرآن
قصص مقروءة عن المهتدين بالقرآن:
(1) صورة كانت سببًا في هدايتها إلى الحق...(1):
لقد بدأت قصتي قبل عدة سنوات عندما كنتُ أناقش صديقاتي من غير المسلمين ولم يكن لدي معلومات تكفي لأثبت لهنّ أن الإسلام دين الخير، وأن ما يدعونه أن الإسلام يقود إلى الشر والتخلف، وأن الإلحاد يقود إلى العلم والتقدم... لم أكن أعرف بم أجيبهم! ... وأصبحتُ حائرة لا أدري ماذا أفعل. فكان الشيطان يوسوس لي دائمًا ويقول: لو كان الله موجودًا لماذا خذل المسلمين وجعلهم أكثر الأمم تخلفًا ... ولو كان هناك خالق للكون لما سمح بالظلم والدمار والشر الذي نراه أمامنا... ولذلك فإن الطبيعة وُجدت هكذا وستبقى كذلك... وبقي حالي هكذا عدة سنوات، كنتُ أعيش في جحيم من الشك والاضطراب.
ولكن تعرفتُ على الموقع بالصدفة، ولا أعتبرها صدفة، بل رسالة من رب العالمين ليبعد عني الشكوك ويصرف كيد الشيطان، ووقعت عيني على الصور المعروضة تحت عنوان: صورة وآية.. وخشعتُ عندما رأيت صورة لجثة فرعون الذي مات غرقًا ثم نجاه الله ببدنه، وتعجبتُ كيف عرف محمد هذه المعلومات التاريخية السرّية التي لم يكن أحد يعلمها على زمانه. فجثة فرعون لم تخضع للتحليل الدقيق إلا في القرن العشرين على يد عالم فرنسي أثبت أن صاحب الجثة غرق وتحطمت أضلاعه بسبب ضغط الماء، ثم نجى بطريقة محيّرة وتم تحنيطه وبقي جسده حتى يومنا هذا.
من أين جاء محمد بهذه المعلومة التي لا يعلمها أحد؟ ليس هناك إلا تفسير واحد وهو أن الله هو الذي أخبره لتكون هذه الآية معجزة لنا في هذا العصر، كما قال تعالى: {فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آَيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آَيَاتِنَا لَغَافِلُونَ} [يونس: 92]. ثم حمدتُ الله كثيرًا وأصبحتُ أداوم على قراءة مقالة أو مقالتين كل يوم لأبقى على ثبات وأتجنب أي شك، لأن الإعجاز العلمي أفضل طريقة للتثبيت على الحق، فالحمد لله الذي هيأ لنا هذه المعجزات.
(2) عامر علي داود: النصراني الهندي الذي أسلم، يتحدث عن تجربته مع القرآن العظيم(2):
فيقول: «تناولتُ نُسخةً من ترجمة معاني القرآن الكريم باللغة الإنجليزية؛ لأنني عرفتُ أن هذا هو الكتاب المقدَّس عند المسلمين، فشرعْتُ في قراءته وتدبر معانيه.
لقد استقطب جُلَّ اهتمامي، وكَمْ كانت دهشتي عظيمة حين وجدت الإجابة المُقنعة عن سؤالي المُحَيِّرِ (الهدف من الخلق) في الصَّفحات الأُولى من القرآن الكريم... لقد قرأتُ الآيات [30 - 39] من سورة البقرة(3)... وهي آياتٌ توضِّح الحقيقةَ بِجَلاءٍ لكل دارسٍ مُنصفٍ... أن هذه الآيات تُخبرنا بكل وضوح وجلاء، وبطريقةً مقنعة عن قصة الخلق.
(3) "براون" وسِرُّ البحر العميق(4):
قرأ "براون" القرآنَ العظيم حتى وصل إلى قوله تعالى: {أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلْ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} [النور: 40].
وفي هذه الآية إشارة إلى البحر العميق الذي اكتشفه العلماء حديثًا حينما استطاعوا الغوص في أعماق كبيرة حيث الظلام التَّام، والظلمات المتراكبة في تلك البحار، والبرودة الشَّديدة.
وهنا سأل براون أحدَ علماء مسلمي الهند:
هل ركب نبيُّكم محمدٌ البحر؟ فقال: لا. فقال براون: فمن الذي علَّمَه علوم البحار؟
فسأله العالمُ المسلمُ: فماذا تريد من سؤالك هذا؟
قال براون: لقد قرأتُ في كتاب الإسلام آيةً لا يعرفُ أعماقَ ما فيها إلاَّ مَنْ أُوتي علمًا واسعًا في علوم البحار، ثم قرأ عليه الآية، وقال: فإذا كان محمد صلى الله عليه وسلم لم يركب البحر، ولم يتلَقَّ علومَ البحار على أيدي أساتذة متخصِّصين، ولم يدرس في جامعة أو معهد، بل كان أُميًا، فَمَنْ الذي علَّمه هذا العلم النافع؟ إلَّا أن يكون وحيًا صادقًا من خالق الكائنات، فإني أشهدُ أن لا إلـه إلاَّ الله وأن محمدًا رسول الله.
(4) عالِم ألماني وبصمات أصابع اليد(5):
يقول تعالى: {أَيَحْسَبُ الإِِنسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ • بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ} [القيامة: 3، 4].
هذه الآية تُشير إلى بصمات الأنامل، وقد كانت سببًا في إسلام عالم ألماني - كما يحكي صاحب تفسير الجواهر عن الرَّحالة محمود سامي أن هذا العالم أدركته رحمة الله تعالى فأسلم، وأعلن ذلك على ملأ من العلماء، ولمَّا سُئل عن سبب إسلامه؟ قال: هذه الآية: {بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ} ]القيامة: 4[؛ فإن الكشف عن أمر بصمات الأنامل لم تعرفه أوروبا فضلًا عن العرب إلاَّ في زماننا هذا؛ إذن هو كلام الله لا كلام البشر.
(5) أسلمت بعد سماعها القرآن(6):
يقول "أحمد خالد العتيبي": زارني أحد أقربائي في المنزل وهو يعمل في " السنترال" الخاص بإحدى المستشفيات في مدينة جدة وعمله الرد على المكالمات وتشغيل صوت الأذان وقت الصلاة.
قلت له: لماذا لا تستغل الوقت الضائع بعد صلاة الفجر إلى الساعة الثامنة صباحًا بتشغيل القرآن بالمستشفى بصوت هادئ، فرحب بالفكرة وأعطيته مجموعة تلاوات قرآن متنوعة لعدة مشايخ.
وقلت له: استعن بالله واخدم دينك وأنت في عملك، وبالفعل بدأ بتشغيل المقاطع الصوتية.
يقول لي: كان مع ضمن المقاطع تلاوة لسورة ق للشيخ سلطان العمري - المشرف على موقع يا له من دين - وكان صوته مؤثر جدًا وفجأة وإذا بصوت الباب يطرق بشدة.
فتحت الباب وإذا بتلك الدكتورة التي في الدور الثاني نزلت إلي وهي تبكي فتعجبت من هذا الموقف، ومن حسن الحظ أني كنت أجيد اللغة الإنجليزية ولله الحمد.
قالت لي: ما هذا الصوت؟! قلت لها: هذا صوت القرآن. قالت: وما هو القرآن؟! قلت: هذا كلام الله ونحن المسلمون نفهمه. قالت: وما هو الإسلام؟! فطلبت منها أن تجلس وذهبت لأتصل بدكتور مناوب أعرفه محب للخير وحضر إلي وقابلها وحدثها بنبذة بسيطة عن الإسلام ثم قالها لها هناك مواقع على الإنترنت تخبرك أكثر عن دين المسلمين.
تعجبت الدكتورة ثم دخلت في الإنترنت وبحثت كثيرًا وقرأت عن الإسلام.
يقول: بعد أسبوع قابلني الدكتور الذي أخبرها عن الإسلام وقال لي: " أبشرك" الدكتورة أسلمت ودخلت في الإسلام بسبب صوت القرآن.
يقول صاحبنا: بعد قرابة شهر تقريبًا والله أني رأيتها وهي لابسة العباءة السوداء والطرحة.
قلت: سبحان الله كان صوت القرآن سببًا في هدايتها.
(6) أسلمت بسبب سماع إذاعة القرآن(7):
الفلبينية "مايرا" أو "أميرة" كما أحبت أن تُدعى بعد دخول الإسلام إلى حياتها، جاءت إلى الإمارات منذ 8 سنوات لتعمل بائعة في إحدى شركات الأجهزة الإلكترونية في دبي. وتعود أميرة بذاكرتها إلى الوراء، وتتذكر الأسباب التي دعتها لتسلم، قائلة: "قبل شهر رمضان الفضيل العام الماضي بشهر ونصف، كنت خارجة إلى عملي كعادتي فشغلت سيارتي وشرعت في قيادتها وفي أثناء الطريق رغبت في أن أدير مفتاح تشغيل الراديو لأستمع إلى الموسيقى كما أفعل يوميا في طريق الذهاب والإياب، وأبقى أدندن مع الأغاني طوال الطريق، وبينما كنت أقلب بين المحطات وإذا بيدي تسقط على إذاعة القرآن الكريم، وكان يخرج منها صوت جميل جدا يرتل القرآن؛ فلم أستطع مقاومة سماعه على الرغم أنني لم أفهم ما يقول، لكنها رغبة شديدة تملكتني بأن أفتح على نفس الإذاعة في طريق الذهاب والإياب يوميا، وعلى مدار شهر ونصف لم أسمع خلالهما موسيقى في سيارتي بل قرآنا فقط".
وتضيف: "سماعي اليومي للقرآن ألان قلبي وجعلني أفكر بأن علي أن أتعرف على الدين الذي جاء به هذا القرآن، أي الدين الإسلامي، فلجأت في بادئ الأمر إلى زملائي وزميلاتي المسلمين في العمل، وطلبت منهم أن يشرحوا لي عن الإسلام، فبينوا لي بعض الأمور وقدموا لي كتيبا عن الإسلام يشرح تعاليمه وأركانه، ويوضح تكامله مع الأديان السماوية التي تسبقه؛ فتأثرت بهذا الكتاب كثيرا، ولم أكتف به بل جلست ساعات طوال أمام شاشة الإنترنت أتنقل بين المواقع الإسلامية التي تشرح مفاهيم أوسع وأشمل عن الإسلام، وتذكر مواقف عاشها النبي محمد عليه السلام في طريقه لنشر الإسلام، وما عاناه وأصحابه من أجل ذلك بل من أجل أن يصلنا الإسلام على طبق من ذهب".
لحظة الحقيقة:
أيام قليلة انقضت وأميرة تبحث عن الإسلام وتهيئ نفسها لاعتناقه حتى بدأ شهر رمضان الفضيل من العام المنصرم؛ فأخذت تسأل زملاءها عن محاضرات دينية تقام في رمضان تتحدث عن الإسلام باللغة الإنجليزية؛ فأرشدوها إلى الملتقى الرمضاني الذي يقام من كل عام في منطقة الطوار، ويقدم فيه مشايخ ودعاة محاضرات دينية باللغة العربية وأخرى باللغة الإنجليزية والفلبينية من أجل الجاليات المسلمة، فذهبت إلى هناك دون تردد. وتصف ذاك اليوم الذي من الصعب أن تمحيه من ذاكرتها، قائلة «عندما دخلت الخيمة التي ستبدأ فيها المحاضرة الخاصة بالجاليات شعرت بقشعريرة ورهبة تسـري في أوصالي، إذ كنت قد عقدت في نفسي في ذلك اليوم أن أطلب من الداعية أن يعلمني كيف أنطق الشهادتين بل كيف أعتنق الإسلام، ولحظة دخولي استقبلتني إحدى الحاضرات، وسألتني «هل أنت مسلمة؟» فقلت لها لا أنا مسيحية فردت مبتسمة عندما تسمعين كلام الداعية الفلبيني عمر بانلبر ستسلمي بإذن الله، ومن ثم دخل الشيخ عمر، وبدأ يتحدث بأسلوب مبسط ومنطقي عن الإسلام، ويقارن بينه وبين الديانات الأخرى، ويظهر مصداقيته كنت أستمع إليه بشغف، وكلما شرح شيئا قلت في نفسي كلامه صحيح فهذا ما قرأته في الإنترنت والكتب قبل أن آتي حتى ازداد يقيني بالإسلام». وتضيف «ثبت قلبي أكثر بعد سماع حديثه الرائع وبعد أن انتهى من المحاضرة وقف وقال من يريد أن يسلم فليقف وينطق معي بالشهادتين فكنت أول هؤلاء حملتني قدماي دون أن أشعر نفسي مندفعة متعطشة للإسلام، ووقف معي 116 فلبينيًا وفلبينية أعلنوا إسلامهم أيضا، وصار الحضور يكبر والشيخ عمر أيضًا كانت لحظات في غاية الروعة». بعد ذلك توجهت أميرة لتحصل على شهادة اعتناق الإسلام من دائرة الشؤون الإسلامية والعمل الخيري في دبي الذين قاموا بدورهم بتعريفها بكيفية الصلاة والطهارة والوضوء والصيام والزكاة وماله صلة بسائر العبادات، وذلك بشرح مفصل من قبل مرشدين ومرشدات ومن خلال كتيبات ونشرات تفي بالغرض.
صيام وقيام:
ولأن أميرة أسلمت خلال أيام شهر رمضان الفضيل من العام الماضي وجب عليها أن تبدأ بالصوم مع المسلمين، وفعلا بدأت بذلك لكنها وجدت إرهاقا وتعبا وإعياء بالصوم إذ لم تعتد عليه بعد لكنها صامت بعض الأيام، أما في رمضان هذا العام فقد صامت وقامته لياليه تدعو وتستغفر لتكون ممن يكرمهم الله عز وجل بعفوه ومغفرته والعتق من نيرانه في هذا الشهر الفضيل.
ارتدت أميرة الحجاب وتزينت به كحال المسلمات، وتواظب على حضور المحاضرات الدينية التثقيفية، أما بالنسبة لأهلها فلم تخبرهم بعد عن إسلامها، إذ تعتقد أن ذلك سيكون أفضل عندما تذهب لزيارتهم نهاية هذا العام ليتسنى لها أن تشرح لهم ما وجدت في الإسلام، وما يتميز به هذا الدين العظيم لعلهم يحذون حذوها.
(7) المهتدي/ سليمان شيخ(8):
– أسئلة تمزق جوفي قبل الإسلام لم يرد عليها أحد والاسلام أعطاني الجواب الكافي .
-فكرت في الانتقال إلى عقيدة اخرى قبل الإسلام لعدم وجود دلائل مقنعة بعبادتي السابقة .
-بداية هدايتي عن طريق زميل في العمل بعد مقارنة بين ثوابت الأديان.
قصة مهتدي اليوم، انطبقت عليه الآية القرآنية التي يقول فيها الحق تبارك وتعالى: {بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ} [الزخرف:22]، ثم ستنطبق عليه آية أخرى سنذكرها فيما بعد، فما هي قصته؟.
يقول: عندما كنت صغيرًا كنت أذهب كل يوم أحد مع أبي إلى (….)، وكنا نتراص في صفوف، نردد خلف الكاهن ما يقول، ثم ننصرف، واستمر الحال هكذا إلى أن كبرت، وبدأت أدرك ما حولي من أمور، وبدأت تثار في داخلي عدة تساؤلات، هل أتبع ديني لمجرد أن أبي يدين بنفس الديانة؟، وما هي أسس إيماني؟، وما أصل هذه العقيدة التي أؤمن بها؟، وكيف يغفر إنسان لآخر فيما لا يملكه؟، ومن أين له أن يعلم مدى حجم الذنب الذي ارتكبته تجاه الآخرين؟، وهل يغفر لي هذا الذنب الذي أذنبته الآن، أم الذي قبل ذلك، أم ما سوف أحدثه بعد ذلك؟، ومن يغفر له ذنبه إذا أذنب وهو الذي يغفر الذنوب للناس؟، وبالرغم مما دار في خُلدي من هذه الأسئلة، إلا أن هناك الكثير من الأسئلة الأخرى التي مازالت في نفسي، وتمزقها ولا أستطيع أن أبوح بها.
ولما كنت على أحد المذاهب، فكرت أن أنتقل إلى مذهب آخر لعلي أجد فيه الإجابة على كل تساؤلاتي، وهكذا دارت بي الدوائر بين المذاهب المختلفة، وأخير قررت أن أقابل كاهن الـ (….)، وأقوم بطرح أسئلتي عليه.
وفعلًا ذهبت له، وبين هذا السؤال وذاك تاهت الإجابة على تساؤلاتي، ولم أجد الأجوبة الصحيحة والصريحة.
وفكرت في السفر للعمل بالخارج، وكان وجهتي إلى الشرق، وتحديدًا دولة الكويت، وهناك مرت الأيام الأولى بين العمل والتفكير في الغربة والأوطان، واستقر بي الحال بأحد الأعمال الدائمة.
وفي العمل عرفني زميل لي مسلم على لجنة التعريف بالإسلام بعد أن دار حوار بيننا عن الأديان، والمقارنة بين ديني ودين الإسلام، واشترطت عليه أن يجاوبني من سأقابله على تساؤلاتي لأنني عانيت كثيرًا.
وذهبت إلى اللجنة، وهناك كانت الابتسامة شعارًا للعاملين بها، ومن ثم قابلت دعاة اللجنة الذين لم يدخروا جهدًا في الإجابة على كل سؤال، سواء كنت أريد أن أطرحه أو لم أطرحه، وهنا قرأ لي الداعية قول الله عز وجل: {أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا} [النساء: 82]، حقًا (1400) عام ولم يتبدل أو يتغير القرآن، بل حفظه الله، ثم قرأ الآية الأخرى، قال تعالى: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ} [الأنبياء: 22]، وقام بترجمة المعنى لي، وأضاف إليه الدليل والبرهان، وفي اللجنة أعلنت إسلامي وأشهدت الجميع بأنني رضيت بالله ربًا، وأني أسلمت وجهي لله رب العالمين.
لقد كانت رحلتي مع الهداية طويلة، أخذت مني سنينًا عديدة، لم أعرف خلالها الاستقرار النفسي، والآن فأنا سعيد بين أنوار الهداية والتوحيد، أدعو الله أن يوفقني في دعوة كل إنسان غير مسلم لينعم بما نعمت به، فالإسلام رحمة للعالمين، وعلينا أن نوصل تلك الرحمة لكل إنسان.
ويشيد المهتدي سليمان بشعار اللجنة (.. رحمة للعالمين)، ويعتبر نفسه أكثر من أي إنسان أحس تلك الرحمة والشعور بها، وكيف أن الله أسبغ عليه منها ظاهرًا وباطنًا.
وبقي في قصة المهتدي سليمان قول الله عز وجل: {قُلْ أَنَدْعُو مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَنفَعُنَا وَلاَ يَضُرُّنَا وَنُرَدُّ عَلَى أَعْقَابِنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا اللّهُ كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الأَرْضِ حَيْرَانَ لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنَا قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَىَ وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام: 71].